العالم مرّة ثانية على إيقاع «أميركا أولاً»!
محمود القيسي
Monday, 18-Nov-2024 06:20

يؤكّد فيلسوف الوجودية الفرنسي جان بول سارتر، أنّ الإنسان كائن يمتلك من الحرّية ما يجعله قادراً على تحمّل مسؤولية ما يقوم به من أفعال، لا إنّ حريّته ليس لها حدود. ليس لها حدود لأنّه محكوم عليه بالحرّية، وأن الإنسان لن يكون إلّا وفق ما سيصنع بنفسه. وكما يريد أن يكون، وما يشبهه. وإنّه قادر على تجاوز الإكراهات بفضل إرادته الحرّة...

من رئيس خرج من السباق الرئاسي تحت ضربات "الخرف" السياسي، إلى رئيس دخل على ظهر أخطاء "الحمار" الديمقراطي العديدة والمتعددة من كل الأنواع والألوان، من السلطة الطائشة إلى السلطة العميقة، من رئيس طار من البيت الأبيض ونائبته المهووسة بالضحكات الطائرة بمناسبة وغير مناسبة. ودخول دونالد ترامب بفارق كبير وشاسع بالاصوات على سجادة أقدم وأكثر القوانين الانتخابية تخلفًا ورجعية في العصر الحديث مقارنة مع أو بدون مقارنة!


نعم، دخل دونالد ترامب الرئاسة الثانية الغير متتالية بفارق كبير وشاسع بالأصوات والنقاط والضربة القاضية مضافًا إليها جناحي مجلس الشيوخ من ناحية ومجلس النواب من ناحية ثانيةً كي يطير عاليًا عاليا بالصلاحيات وقوة القوانين الداعمة التي نادرًا ما تتوفر وتتوافر لرئيس يهذه القوة. نعم، دخل ترامب بجناح مجلس الشيوخ الأمريكي، أو الغرفة العليا في الكونغرس المكوّنِ من مجلسي الشيوخ وجناح مجلس النواب.


هل أصبح العالم في عصر بداية نهاية السلام الأميركي؟ عصر تقديس السّلطة؟ عصر اميركا أولًا وأخيرًا؟ عصر دونالد ترامب؟ عصر تقديس السلطة كما يقول كارل بوبو هو أحد أسوأ أنواع الوثنيات البشرية.


تقديس السّلطة وليد الخوف، وهو شعور يستحق الاحتقار. ورغم ذلك، فإن العالم على موعد مع صاحب أو رئيس شعار "أميركا أولًا"، الشعار أو الحقيقة القادمة. شعاره لسياسة البيت الأبيض وقيادة العالم بأسلوب وطريقة أخرى غير تقليدية في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية والتي لم ير العالم لها مثيلا من قبل ومن بعد. وتسبقه مع كل أنواع الزوابع والأعاصير والبراكين والارتدادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية المجتمعة كلها في يد الرئيس الذي لا يقبل القسمة على اثنين.

 

في حديث له على فوكس نيوز ذكر وزير خارجية اميركا في رئاسة دونالد ترامب الأولى خلفا لريكس تيلرسون في نيسان 2018 حتى نهاية عهد ترامب في كانون الثاني 2021 مايكل بومبيو قائلا: خلال إدارة بايدن دفعت حرائق متعددة حول العالم، من أوكرانيا إلى غزة إلى لبنان، الولايات المتحدة إلى أكثر نقطة غير مستقرة منذ نهاية الحرب الباردة. وردًا على الحروب التي اندلعت حول العالم أنتجت واشنطن استراتيجيتين رهيبتين بنفس القدر: الأولى، اتباع سياسات الرئيس جو بايدن بشكل أعمى التي سمحت لهذه الفوضى بالسيطرة. والثانية، الاستسلام للخصوم وإغماض أعيننا عن العالم من حولنا. ولكن هناك حل أفضل من الاستراتيجيتين السابقتين، وهو الحل الذي جلب لنا السلام والازدهار لمدة أربع سنوات في عهد الرئيس دونالد ترامب، والمتمثل في عبارة "أمريكا أولا".

ويستطرد قائلا: إن عبارة "أمريكا أولا" لا تعني السماح للخصوم بفعل ما يريدون، بل يعني اتخاذ خطوات ملموسة، مثلما فعلنا بنجاح في إدارة ترامب سابقًا، لضمان ازدهار كل أمريكي. إن النجاح الذي حققناه خلال السنوات الأربع التي قضيناها لم يكن صدفة، ما يعني تخصيص الموارد الأمريكية بذكاء وعدم دفع ثروات أمتنا نحو صراعات مسلحة عشوائية لأسباب ذات دوافع سياسية حول العالم".

عنوان "نهاية السلام الأمريكي".. ليس عنوان فيلم أمريكي – هوليوودي، بل عنوان مقال لـ "إيفو دالدر" نشر في صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية بتاريخ 8 تشرين الثاني. وعنوان المقال هو "The end of Pax Americana” (نهاية السلام الأمريكي). إن دالدر معارض صريح لدونالد ترامب، ولهذا أختير عنوان مقالته تحديدًا. فهو من المدافعين عن النظام العالمي القائم على القواعد وقد دعم رسميًا القيادة الأمريكية الممتدة منذ عام 1945، حيث شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الناتو سابقًا. دالدر الذي يختم مقاله بالقول: "سينتهي عصر السلام الأمريكي رسميًا مع تولي دونالد ترامب منصبه. وستشهد البلاد والعالم تغييرات جذرية". نعم، ما بعد وصول ترامب ليس كما قبله، ومسار التطوّرات يُظهر أن الرئيس العائد إلى البيت الأبيض يريد أن ينجز ملف الشرق الأوسط الجديد قبل الانصراف إلى سائر الملفات في العالم -كما جاء في البحوث والتقارير الدولية والإقليمية الرسمية الموثقة- وعلى رأسها الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية والملف الاقتصادي مع الصين. نعم، الملف الاقتصادي مع الصين هو الملف الأكثر أهمية لضبط الصراعات، على إيقاع وبما يخدم المصالح الأميركية أولًا….!


تقف الولايات المتحدة والعالم من خلفها أمام نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة أو فوز "آلڤن توفلر" صاحب نظرية الموجة الثالثة وتحول السلطة في الفكر السياسي الغربي. وفي رؤية توفلر الأخيرة "الحروب وضد الحروب"، تختلف وجهة نظره بشأن أزمة النظام العالمي الجديد، و بشأن طبيعة الصراع الجوهري فيه، إذ هو على العكس من كثير من الكتاب الأمريكيين المتشائمي، إن تفاؤله القوي بالمستقبل هو تفاؤل من نمط مختلف عن تفاؤل فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" كما أنه يختلف عن هنتجتون في تشخيص " صدام الحضارات". اذ يقر بوجود أزمة عميقة في قلب المجتمع الغربي لكنه لا يرى في الأزمة دلالة انهيار أو أفول الغرب بل بشارة ميلاد جديد لحضارة جديدة أخذت تبزغ لتؤها من هشيم الحضارة الصناعية الغاربة.


انتهى عهد أوباما وبوش وكلينتون. وأعاد ترامب تشكيل المشهد السياسي الأمريكي، وأعاد ترتيب "النظام المؤسسي" لدى الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، والخلاصة أنه أوجد طريقا ثالثا يشبه موجة تسونامي، يجب علينا دراسة تأثيرها على الولايات المتحدة كنموذج أولي، ولكن السؤال الأهم هو: كيف ستؤثر هذه الموجة على العالم؟ كيف ستضرب أوروبا، والشرق الأوسط، والمحيط الهادئ، والسواحل التركية؟

إذا نظرت إلى أوروبا، بما في ذلك بريطانيا، يمكنك تقدير قوة الموجة المتلاطمة. حتى الحديث عن "سحب ترامب للولايات المتحدة من الناتو" أصبح جاداً. وهذا قد يدفع أوروبا إلى إعادة تشكيل هيكلها الأمني. ويعني هذا تقلصاً طوعياً للولايات المتحدة في أوروبا، وهو أمر بالغ الأهمية ويمس تركيا بشكل مباشر ويضيف أبعادًا جديدة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة.

 

كان هناك موقف من روسيا قالت فيه إنها "لن تهنئ ترامب، وستراقب التطورات". ولكن بعد 48 ساعة، تغير الموقف، فقد هنأ بوتين ترامب وفتح الأبواب أمامه. وبعد 24 ساعة، أصدر الرئيس الصيني شي جين بينغ بياناً قال فيه إن "البلدين يكسبان من خلال التعاون ويخسران من خلال الصراع".
فهل يدشن ترامب العصر الجديد بين القوى العظمى؟ ستثير هذه الموجة ضجة كبيرة، ستبدأ مرحلة جديدة بين القوى العظمى. وتحلّل الصين وروسيا إمكانية تقويض العقلية المحافظة الجديدة. وستتابعان عملية "التطهير" بعناية. نحن نسرع في بناء استنتاجات قاطعة بشأن علاقات ترامب مع روسيا والصين، ويجب ألا نفعل ذلك، بل دعونا نتخلص من تلك الأفكار التي تربط الهند بكل شيء. فنيودلهي ستكون إحدى القوى الصاعدة في الفترة المقبلة.

 

 

الأكثر قراءة